فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الْجُلُوسِ بِالصُّعُدَاتِ وَمِنْ إبَاحَتِهِ ذَلِكَ عَلَى الشَّرَائِطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا فِي إبَاحَتِهِ ذَلِكَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ

وَحَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ وَحَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرٌ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ حَدَّثَنَا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ حَدَّثَنِي أَبُو كَبْشَةَ السَّلُولِيُّ قَالَ سَمِعْت عَبْدَ اللهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالاَ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي كَبْشَةَ السَّلُولِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَا مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ قَوْلِهِ لِأُمَّتِهِ وَحَدِّثُوا عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ إرَادَةً مِنْهُ أَنْ يَعْلَمُوا مَا كَانَ فِيهِمْ مِنْ الْعَجَائِبِ الَّتِي كَانَتْ فِيهِمْ‏;‏ وَلأَنَّ أُمُورَهُمْ كَانَتْ الأَنْبِيَاءُ تَسُوسُهَا كَمَا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ أَبِي الْحَجَّاجِ الْمُنْقِرِيُّ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَ يَسُوسُهُمْ الأَنْبِيَاءُ كُلَّمَا مَاتَ نَبِيٌّ قَامَ نَبِيٌّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ مَا عَسَى أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُحَذِّرَهُمْ مِنْ الْخُرُوجِ عَنْ التَّمَسُّكِ بِدِينِ اللهِ كَمَا خَرَجَتْ عَنْهُ بَنُو إسْرَائِيلَ فَيُعَاقِبَهُمْ بِمِثْلِ مَا عَاقَبَهُمْ بِهِ وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ عليه السلام يُحَدِّثُهُمْ مِنْهَا‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِيُّ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي حَسَّانَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَامَّةَ لَيْلِهِ يُحَدِّثُ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مَا يَقُومُ إِلاَّ لِعُظْمِ صَلاَةٍ‏.‏

وقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ قَوْلُهُ عَقِيبًا لِمَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ وَلاَ حَرَجَ أَيْ‏:‏ وَلاَ حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تُحَدِّثُوا عَنْهُمْ كَمِثْلِ مَا قَالَ مِمَّا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ كَمَا‏.‏

حَدَّثَنَا بَكَّارَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ حَدَّثَنَا ثَوْرُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ حُصَيْنٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْحُبْرَانِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ اكْتَحَلَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ وَمَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ وَمَنْ أَتَى الْخَلاَءَ فَلْيَسْتَتِرْ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ كَثِيبَ رَمْلٍ فَلْيَجْمَعْهُ فَلْيَسْتَدْبِرْهُ فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ تَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ وَمَنْ أَكَلَ طَعَامًا فَمَا تَخَلَّلَ فَلْيُلْقِهَا وَمَا لاَكَ بِلِسَانِهِ فَلْيَبْلَعْ مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لاَ فَلاَ حَرَجَ‏.‏

قَالَ فَكَانَ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا أَتْبَعَ أَمْرَهُ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا قَوْلَهُ وَلاَ حَرَجَ أَيْ‏:‏ وَلاَ حَرَجَ عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا مَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ إذْ كَانَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْهُ عَلَى الاِخْتِيَارِ لاَ عَلَى الإِيجَابِ فَكَانَ مِثْلُ ذَلِكَ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مِمَّا أَتْبَعَهُ قَوْلَهُ وَلاَ حَرَجَ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى التَّوْسِعَةِ مِنْهُ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يُحَدِّثُوا عَنْهُمْ إنْ شَاءُوا لأَنَّ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ إنَّمَا كَانَ عَلَى الاِخْتِيَارِ لاَ عَلَى الإِيجَابِ وَكَانَ تِلْكَ مِنَّةً مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِ عَقِيبًا لِقَوْلِهِ لَهُمْ بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً مِمَّا أَمَرَهُمْ بِهِ إيجَابًا عَلَيْهِمْ فَأَتْبَعَ ذَلِكَ فِي أَمْرِهِ مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنْ الْحَدِيثِ عَنْ بَنِي إسْرَائِيلَ بِبَيَانِ مُخَالَفَةِ ذَلِكَ لِمَا قَبْلَهُ إذْ كَانَ مَا قَبْلَهُ عَلَى الْوُجُوبِ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ عَلَى الاِخْتِيَارِ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُزَابَنَةِ وَالْمُخَابَرَةِ وَقَالَ أَحَدُهُمَا وَالْمُعَاوَمَةِ وَقَالَ الآخَرُ‏:‏ بَيْعُ السِّنِينَ‏,‏ وَنَهَى عَنْ الثُّنْيَا قَالَ وَرَخَّصَ فِي الْعَرَايَا‏.‏

حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْفِرْيَابِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا حَمَّادُ وَهُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ وَسَعِيدِ بْنِ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْمُزَابَنَةِ‏,‏ وَعَنْ الْمُحَاقَلَةِ وَالْمُعَاوَمَةِ وَالْمُخَابَرَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا‏,‏ وَعَنْ بَيْعِ السِّنِينَ وَعَنْ الثُّنْيَا وَرَخَّصَ فِي بَيْعِ الْعَرَايَا فَكَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ النَّهْيَ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا مُطْلَقًا وَكَانَ فِي ذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً بِخِلاَفِ ظَاهِرِهِ الْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الثُّنْيَا فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَعْنَى سِوَى هَذَا الْحَدِيثِ هَلْ نَجِدُ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى إيضَاحِ حَقِيقَةِ مُرَادِهِ فِي ذَلِكَ‏.‏

فَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا عَبَّادٌ وَهُوَ ‏[‏ ابْنُ ‏]‏ الْعَوَّامِ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي الثِّقَةُ يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام نَهَى عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا حَتَّى تُعْلَمَ‏.‏

فَانْكَشَفَ لَنَا بِذَلِكَ حَقِيقَةُ مَا وَقَعَ عَلَيْهِ النَّهْيُ فِي حَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ وَسَعِيدٍ مِنْ بَيْعِ الثُّنْيَا‏,‏ وَأَنَّهَا الثُّنْيَا لَيْسَتْ بِمَعْلُومَةٍ وَأَنَّ الثُّنْيَا الْمَعْلُومَةَ بِخِلاَفِهَا وَأَنَّ الْمُسْتَثْنَاةَ فِيهِ جَائِزٌ إذْ كَانَتْ مَعْلُومَةً وَإِذْ كَانَ مَا يَبْقَى بَعْدَهَا مِنْ الْبَيْعِ مَعْلُومًا بِثَمَنٍ مَعْلُومٍ وَأَنَّ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ حَفِظَ عَنْ جَابِرٍ فِيمَا حَدَّثَهُمْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَحْفَظْهُ أَبُو الزُّبَيْرِ وَلاَ سَعِيدٌ فَكَانَ بِذَلِكَ مَا رَوَى فِيهِ عَنْ جَابِرٍ أَوْلَى مِمَّا رَوَيَاهُ فِيهِ عَنْهُ‏.‏

وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي الْبَيْعِ إذَا كَانَتْ جُزْءًا مِنْ أَجْزَاءِ مَبِيعٍ‏.‏

فَكَانَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا يُونُسُ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ قَالَ مَالِكٌ الأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إذَا بَاعَ ثَمَرَ حَائِطِهِ أَنْ ‏[‏ لَهُ أَنْ ‏]‏ يَسْتَثْنِيَ مِنْهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ ثُلُثِ الثَّمَرِ لاَ يُجَاوِزُ ذَلِكَ وَمَا كَانَ مِنْ دُونِ الثُّلُثِ فَلاَ بَأْسَ بِهِ إذَا كَانَ يَرَى أَنَّهُ الثُّلُثُ فَأَدْنَى‏.‏

وَقَدْ خَالَفَهُ فِي ذَلِكَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَزُفَرُ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ فَأَجَازُوا الْبَيْعَ بِهَذَا الاِسْتِثْنَاءِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ إذَا كَانَ دُونَ الثُّلُثِ أَوْ الثُّلُثَ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ إذْ كَانَ ثَمَرٌ مَا يَبْقَى بَعْدَهُ مَعْلُومًا‏.‏

وَفِي حَدِيثِ النَّبِيِّ عليه السلام الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ حَدِيثِ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ بَيْعِ الثُّنْيَا حَتَّى تُعْلَمَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى مَا قَالُوا مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ مَا دَخَلَ فِي الْبَيْعِ بَعْدَ الثُّنْيَا مَعْلُومًا وَكَانَ ثَمَرُهُ مَعْلُومًا وَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا فِي ذَلِكَ لِمُوَافَقَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَفْضَلِ بَنَاتِهِ مَنْ هِيَ مِنْهُنَّ

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْجِيزِيُّ وَيُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو يَزِيدَ وَفَهْدٌ قَالُوا حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ الْهَادِ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ خَرَجَتْ ابْنَتُهُ مِنْ مَكَّةَ مَعَ بَنِي كِنَانَةَ فَخَرَجُوا فِي أَثَرِهَا فَأَدْرَكَهَا هَبَّارُ بْنُ الأَسْوَدِ فَلَمْ يَزَلْ يَطْعَنُ بَعِيرَهَا حَتَّى صَرَعَهَا فَأَلْقَتْ مَا فِي بَطْنِهَا وَأُهْرِيقَتْ دَمًا فَانْطَلَقَ بِهَا وَاشْتَجَرَ فِيهَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ فَقَالَ بَنُو أُمَيَّةَ نَحْنُ أَحَقُّ بِهَا وَكَانَتْ تَحْتَ ابْنِ عَمِّهِمْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَكَانَتْ عِنْدَ هِنْدَ بِنْتِ رَبِيعَةَ وَكَانَتْ تَقُولُ لَهَا هِنْدُ هَذَا فِي سَبَبِ أَبِيك فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَلاَ تَنْطَلِقُ فَتَجِيءُ بِزَيْنَبِ فَقَالَ‏:‏ بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ فَخُذْ خَاتَمِي هَذَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ قَالَ‏:‏ فَانْطَلَقَ زَيْدٌ فَلَمْ يَزَلْ يَلْطُفُ وَتَرَكَ بَعِيرَهُ حَتَّى أَتَى رَاعِيًا فَقَالَ‏:‏ لِمَنْ تَرْعَى فَقَالَ لأَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ‏:‏ فَلِمَنْ هَذِهِ الْغَنَمُ قَالَ لِزَيْنَبِ بِنْتِ مُحَمَّدٍ عليه السلام فَسَارَ مَعَهُ شَيْئًا‏,‏ ثُمَّ قَالَ لَهُ‏:‏ هَلْ لَك أَنْ أُعْطِيَك شَيْئًا تُعْطِيَهَا إيَّاهُ وَلاَ تَذْكُرَهُ لأَحَدٍ قَالَ‏:‏ نَعَمْ فَأَعْطَاهُ الْخَاتَمَ فَانْطَلَقَ الرَّاعِي فَأَدْخَلَ غَنَمَهُ وَأَعْطَاهَا الْخَاتَمَ فَعَرَفَتْهُ فَقَالَتْ‏:‏ مَنْ أَعْطَاك هَذَا قَالَ رَجُلٌ قَالَتْ وَأَيْنَ تَرَكْتَهُ قَالَ مَكَانَ كَذَا‏,‏ وَكَذَا فَسَكَنَتْ حَتَّى إذَا كَانَ اللَّيْلُ خَرَجَتْ إلَيْهِ فَقَالَ لَهَا ارْكَبِي بَيْنَ يَدَيَّ قَالَتْ لاَ‏,‏ وَلَكِنْ ارْكَبْ أَنْتَ فَرَكِبَ وَرَكِبَتْ وَرَاءَهُ حَتَّى أَتَتْ النَّبِيَّ عليه السلام فَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ هِيَ أَفْضَلُ بَنَاتِي أُصِيبَتْ فِي فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فَانْطَلَقَ إلَى عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ فَقَالَ مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْك أَنَّك تُحَدِّثُهُ تَنْتَقِصُ فِيهِ حَقَّ فَاطِمَةَ فَقَالَ عُرْوَةُ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَإِنِّي أَنْتَقِصُ فَاطِمَةَ حَقًّا هُوَ لَهَا وَأَمَّا بَعْدُ فَلَكَ عَلَيَّ أَنْ لاَ أُحَدِّثَ بِهِ أَبَدًا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا يَجِبُ تَأَمُّلُهُ وَالْوُقُوفُ عَلَى الْمَعْنَى فِيهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ أَلاَ تَنْطَلِقُ فَتَجِيءُ بِزَيْنَبِ وَزَيْدٌ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ مِنْهَا وَلاَ بِزَوْجٍ لَهَا‏,‏ وَقَدْ نَهَى صلى الله عليه وسلم أَنْ تُسَافِرَ امْرَأَةٌ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ وَرُوِيَتْ عَنْهُ فِي ذَلِكَ آثَارٌ بَعْضُهَا مُطْلَقٌ بِلاَ ذِكْرِ وَقْتٍ مَعْلُومٍ لِذَلِكَ السَّفَرِ وَبَعْضُهَا فِيهِ ذِكْرُ مِقْدَارِ ذَلِكَ السَّفَرِ مِنْ الزَّمَانِ وَفِي بَعْضِهَا إِلاَّ وَمَعَهَا زَوْجٌ أَوْ ذُو مَحْرَمٍ مِنْهَا وَسَنَذْكُرُ هَذَا الْبَابَ وَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فِيمَا بَعْدُ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ‏.‏

غَيْرَ أَنَّا تَأَمَّلْنَا مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ إطْلاَقِهِ لِزَيْدٍ السَّفَرَ بِزَيْنَبِ فَوَجَدْنَا زَيْدًا قَدْ كَانَ حِينَئِذٍ فِي تَبَنِّي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهُ حَتَّى كَانَ يُقَالُ لَهُ بِذَلِكَ زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَزَلْ بَعْدَ ذَلِكَ كَذَلِكَ إلَى أَنْ نَسَخَ اللَّهُ ذَلِكَ فَأَخْرَجَهُ مِنْ بُنُوَّتِهِ وَرَدَّهُ إلَى أَبِيهِ فِي الْحَقِيقَةِ بِقَوْلِهِ مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ‏,‏ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَبِقَوْلِهِ لِزَيْدٍ وَأَمْثَالِهِ مِنْ الْمُتَبَنِّينَ اُدْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ‏}‏ وَبِمَا أُنْزِلَ فِي زَيْدٍ خَاصَّةً فِي إبَاحَتِهِ تَزْوِيجَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ زَوْجًا لِزَيْدٍ وَبِمَا أُنْزِلَ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا إلَى قَوْلِهِ وَطَرًا‏.‏

فَوَقَفْنَا عَلَى أَنَّ مَا كَانَ أَمَرَ بِهِ عليه السلام زَيْدًا قَبْلَ ذَلِكَ فِي زَيْنَبَ وَفِي إبَاحَتِهِ لَهَا وَلَهُ السَّفَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَعَ صَاحِبِهِ كَانَ عَلَى الْحُكْمِ الأَوَّلِ وَفِي الْحَالِ الَّتِي كَانَ زَيْدٌ فِيهَا أَخًا لِزَيْنَبِ فَكَانَ بِذَلِكَ مَحْرَمًا لَهَا جَائِزًا لَهُ السَّفَرُ بِهَا كَمَا يَجُوزُ لأَخٍ لَوْ كَانَ لَهَا مِنْ النَّسَبِ مِنْ السَّفَرِ بِهَا فَهَذَا وَجْهُ هَذَا الْمَعْنَى مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِيهِ مِنْ تَفْضِيلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَيْنَبَ عَلَى سَائِرِ بَنَاتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ كَانَ وَلاَ ابْنَةَ لَهُ يَوْمَئِذٍ فَتَسْتَحِقُّ الْفَضِيلَةَ غَيْرُهَا لِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ مِنْ الإِيمَانِ بِهِ وَالاِتِّبَاعِ لَهُ وَلِمَا نَزَلَ بِهَا فِي بَدَنِهَا مِنْ أَجْلِهِ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَا‏,‏ ثُمَّ كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِمَّا وَهَبَهُ اللَّهُ لَهُ وَأَقَرَّ بِهِ عَيْنَهُ فِي ابْنَتِهِ فَاطِمَةَ مَا كَانَ مِنْهُ فِيهَا مِنْ تَوْفِيقِهِ إيَّاهَا لِلأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ الزَّاكِيَةِ وَمَا وَهَبَ لَهَا مِنْ الْوَلَدِ الَّذِينَ صَارُوا لَهُ وَلَدًا وَذُرِّيَّةً مِمَّا لَمْ يُشْرِكْهَا فِي ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ بَنَاتِهِ سِوَاهَا وَكَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي اسْتَحَقَّتْ زَيْنَبُ مَا اسْتَحَقَّتْ مِنْ الْفَضِيلَةِ صَغِيرَةً غَيْرَ بَالِغٍ مِمَّنْ لاَ يَجْرِي لَهَا ثَوَابٌ بِطَاعَتِهَا وَلاَ عِقَابٌ بِخِلاَفِهَا‏.‏

وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ فِي صِغَرِ سِنِّهَا حِينَئِذٍ وَتَقْصِيرِهَا عَنْ الْبُلُوغِ‏.‏

مَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَهْلٍ الرَّازِيّ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللهِ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حَدَّثَنِي أَبِي عَبْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنِي أَبِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ قَالَ دَخَلْت أَنَا وَابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ عَلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ فَسَأَلَهُ عَنْ سِنِّ فَاطِمَةَ فَبَدَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ بِالْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ فَقَلْتُ لَهُ سَلْ هَذَا عَنْ أُمِّهِ وَسَلْنِي عَنْ أُمِّي‏,‏ ثُمَّ قُلْت لَهُ كَانَ سِنُّهَا يَعْنِي الَّذِي مَاتَتْ عَلَيْهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً‏.‏

ثُمَّ تَأَمَّلْنَا الْوَقْتَ الَّذِي كَانَتْ فِيهِ وَفَاتُهَا أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ الزَّمَانِ‏.‏

فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ وَهْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا عَمِّي عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ وَحَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ‏,‏ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ إلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ خَيْبَرَ فَقَالَ لَهَا أَبُو بَكْرٍ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ إنَّمَا كَانَ يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ وَإِنِّي وَاَللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَالِهَا الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَلاََعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ أَنْ يَدْفَعَ إلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَيْلاً وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ وَصَلَّى عَلَيْهَا عَلِيٌّ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ ثُمَّ كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إبَانَتِهِ لِلنَّاسِ فَضْلَ فَاطِمَةَ عَلَى سَائِرِ بَنَاتِهِ وَعَلَى سَائِرِ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ سِوَاهَا وَسِوَاهُنَّ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَكَّارَ ثنا أَبُو دَاوُد صَاحِبُ الطَّيَالِسَةِ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ثنا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ‏,‏ ثُمَّ اجْتَمَعَا فَقَالَ بَكَّارَ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ اجْتَمَعْنَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ تُغَادِرْ مِنْهُنَّ وَاحِدَةٌ فَجَاءَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي مَا تُخْطِئُ مِشْيَتُهَا مِشْيَةَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا رَآهَا رَحَّبَ بِهَا وَقَالَ مَرْحَبًا بِابْنَتِي وَأَخَذَهَا فَأَقْعَدَهَا عَنْ يَمِينِهِ أَوْ عَنْ يَسَارِهِ فَسَارَّهَا فَبَكَتْ‏,‏ ثُمَّ سَارَّهَا الثَّانِيَةَ فَضَحِكَتْ فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْت لَهَا إنَّ لَك مِنْ بَيْنِ نِسَائِهِ فَضْلَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِنَا بِالسِّرَارِ وَأَنْتِ تَبْكِينَ عَزَمْت عَلَيْك بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ حَقٍّ مِمَّ بَكَيْت وَمِمَّ ضَحِكْت فَقَالَتْ مَا كُنْت لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قُلْت لَهَا عَزَمْت عَلَيْك بِمَا لِي عَلَيْك مِنْ حَقٍّ إِلاَّ أَخْبَرْتِينِي قَالَتْ أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ إنَّهُ لَمَّا سَارَّنِي فِي الْمَرَّةِ الآُولَى قَالَ إنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي بِالْقُرْآنِ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَإِنِّي لاَ أَظُنُّ إِلاَّ أَجَلِي قَدْ حَضَرَ فَاتَّقِي اللَّهَ فَنِعْمَ السَّلَفُ لَكِ أَنَا قَالَتْ فَبَكَيْت بُكَائِي الَّذِي رَأَيْت‏,‏ ثُمَّ سَارَّنِي الثَّانِيَةَ فَقَالَ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ هَذِهِ الآُمَّةِ أَوْ سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ فَضَحِكْت‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثنا أَبُو نُعَيْمٍ ثنا زَكَرِيَّا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ أَقْبَلَتْ تَمْشِي تَعْنِي فَاطِمَةَ كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مِشْيَةُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ بَقِيَّةَ هَذَا الْحَدِيثِ كَمَا فِي حَدِيثِ بَكَّارٍ وَإِبْرَاهِيمَ سَوَاءً وَلَمْ يَذْكُرْ مَا فِي حَدِيثِهِمَا قَبْلَ ذَلِكَ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي ابْنُ غَزِيَّةَ يَعْنِي عُمَارَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ أُمَّهُ فَاطِمَةَ بِنْتَ الْحُسَيْنِ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي مَرَضِهِ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ لِفَاطِمَةَ يَا بُنَيَّةُ أَحْنِي عَلَيَّ فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا سَاعَةً‏,‏ ثُمَّ انْكَشَفَتْ عَنْهُ وَهِيَ تَبْكِي وَعَائِشَةُ حَاضِرَةٌ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ ذَلِكَ بِسَاعَةٍ أَحْنِي عَلَيَّ يَا بُنَيَّةُ فَأَحْنَتْ عَلَيْهِ فَنَاجَاهَا سَاعَةً ثُمَّ كَشَفَتْ عَنْهُ تَضْحَكُ فَقَالَتْ عَائِشَةُ أَيْ‏:‏ بُنَيَّةُ مَاذَا نَاجَاك أَبُوك قَالَتْ فَاطِمَةُ أُوشِكُ أُبَيِّنُهُ نَاجَانِي عَلَى حَالِ سِرٍّ‏.‏

ثُمَّ رَأَيْت أَنِّي أُخْبِرُك بِسِرِّهِ وَهُوَ حَيٌّ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى عَائِشَةَ أَنْ يَكُونَ سِرٌّ دُونَهَا فَلَمَّا قَبَضَهُ اللَّهُ قَالَتْ عَائِشَةُ لِفَاطِمَةَ أَلاَ تُخْبِرِينِي ذَلِكَ الْخَبَرَ فَقَالَتْ أَمَّا الآنَ فَنَعَمْ نَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الآُولَى فَأَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً‏,‏ وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَأَخْبَرَتْنِي أَنَّهُ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ كَانَ بَعْدَهُ نَبِيٌّ إِلاَّ عَاشَ نِصْفَ عُمْرِ الَّذِي كَانَ قَبْلَهُ وَأَخْبَرَنِي أَنَّ عِيسَى عليه السلام عَاشَ عِشْرِينَ وَمِائَةَ سَنَةٍ وَلاَ أَرَانِي إِلاَّ ذَاهِبٌ عَلَى سِتِّينَ فَأَبْكَانِي ذَاكَ وَقَالَ يَا بُنَيَّةُ إنَّهُ لَيْسَ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ امْرَأَةٌ أَعْظَمُ زَرِيَّةً مِنْك فَلاَ تَكُونِي أَدْنَى امْرَأَةٍ صَبْرًا ثُمَّ نَاجَانِي فِي الْمَرَّةِ الآُخْرَى فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ لُحُوقًا بِهِ وَقَالَ إنَّك سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ الْبَتُولِ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ فَضَحِكْت لِذَلِكَ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنْبَأَ مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ حَسْبُك مِنْ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ‏.‏

صلى الله عليه وآله وسلم وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عُثْمَانَ اللَّاحِقِيُّ الْبَصْرِيُّ ثنا دَاوُد بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ عَنْ عَلْبَاءَ بْنِ أَحْمَرَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ خَطَّ النَّبِيُّ عليه السلام أَرْبَعَةَ خُطُوطٍ‏,‏ ثُمَّ قَالَ أَتَدْرُونَ مَا هَذَا قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ أَفْضَلُ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ بِنْتُ مُزَاحِمٍ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنَا مُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ ثنا لَيْثُ بْنُ دَاوُد الْبَغْدَادِيُّ قَالَ مُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ حَدَّثَنَا عَنْ الْحَسَنِ قَالَ عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ خَرَجْت يَوْمًا فَإِذَا أَنَا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِي يَا عِمْرَانُ إنَّ فَاطِمَةَ مَرِيضَةٌ فَهَلْ لَك أَنْ تَعُودَهَا قَالَ قُلْت فِدَاك أَبِي وَأُمِّي وَأَيُّ شَرَفٍ أَشْرَفُ مِنْ هَذَا قَالَ انْطَلِقْ فَانْطَلَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَانْطَلَقْت مَعَهُ حَتَّى أَتَى الْبَابَ فَقَالَ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أَدْخُلُ فَقَالَتْ وَعَلَيْكُمْ اُدْخُلْ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَا وَمَنْ مَعِي قَالَتْ وَاَلَّذِي بَعَثَك بِالْحَقِّ مَا عَلَيَّ إِلاَّ هَذِهِ الْعَبَاءَةُ قَالَ وَمَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُلاَءَةٌ خَلِقَةٌ فَرَمَى بِهَا إلَيْهَا فَقَالَ لَهَا شُدِّيهَا عَلَى رَأْسِك فَفَعَلْت‏,‏ ثُمَّ قَالَتْ اُدْخُلْ فَدَخَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَدَخَلْت مَعَهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهَا وَقَعَدْت قَرِيبًا مِنْهُ فَقَالَ‏:‏ أَيْ بُنَيَّةُ كَيْفَ تَجِدِينَكِ قَالَتْ وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللهِ إنِّي لَوَجِعَةٌ وَإِنَّهُ لَيَزِيدُنِي وَجَعًا إلَى وَجَعِي أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا آكُلُ فَبَكَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَبَكَتْ فَاطِمَةُ عليها السلام وَبَكَيْت مَعَهُمَا فَقَالَ لَهَا‏:‏ أَيْ بُنَيَّةُ تَصَبَّرِي مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا‏,‏ ثُمَّ قَالَ لَهَا‏:‏ أَيْ بُنَيَّةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ قَالَتْ يَا لَيْتَهَا مَاتَتْ وَأَيْنَ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ فَقَالَ لَهَا‏:‏ أَيْ بُنَيَّةُ تِلْكَ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِهَا وَأَنْتِ سَيِّدَةُ نِسَاءِ عَالَمِك وَاَلَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ لَقَدْ زَوَّجْتُك سَيِّدًا فِي الدُّنْيَا وَسَيِّدًا فِي الآخِرَةِ لاَ يُبْغِضُهُ إِلاَّ مُنَافِقٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي مَا قَدْ رَوَيْنَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ سِنَّ فَاطِمَةَ كَانَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي قَدِمَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ الْمَدِينَةَ وَأَمَرَ زَيْدًا بِالذَّهَابِ إلَى زَيْنَبَ وَالْمَجِيءِ بِهَا إلَيْهِ كَانَ بِضْعَ عَشْرَةَ سَنَةً وَهُوَ سِنٌّ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَمْ تَبْلُغْ فِيهِ‏.‏

وَعَقَلْنَا بِمَا رَوَيْنَا مِنْ خَبَرِ عَائِشَةَ عَنْ الْوَقْتِ الَّذِي مَاتَتْ فِيهِ‏,‏ وَأَنَّهُ كَانَ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ بُلُوغَهَا وَلُزُومَ الأَحْكَامِ إيَّاهَا كَانَ بَعْدَ مَا قَالَ النَّبِيُّ عليه السلام لِزَيْدٍ فِي زَيْنَبَ مَا قَالَ‏,‏ ثُمَّ صَارَ مَا فَضَّلَ اللَّهُ تَعَالَى فَاطِمَةَ مِمَّا ذَكَرْنَا يُوجِبُ فَضْلَهَا عَلَى زَيْنَبَ وَعَلَى مَنْ سِوَاهَا مِمَّنْ فَضَّلَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ رُوِيَ فِي ذِكْرِ مَنْ فَضَّلَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَهُ بِالْكَمَالِ مِنْ النِّسَاءِ نِسَاءٌ ذَكَرَهُنَّ لَيْسَتْ فَاطِمَةُ فِيهِنَّ وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ‏.‏

مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ثنا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ثنا قَبِيصَةُ عَنْ شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ يَعْنِي ابْنَ شَرَاحِيلَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَمُلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ قِيلَ لَهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ كَانَ قَبْلَ بُلُوغِ فَاطِمَةَ وَاسْتِحْقَاقِهَا الرُّتْبَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا فَعَادَ بِحَمْدِ اللهِ جَمِيعُ مَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ إلَى أَنْ لاَ تَضَادَّ فِيهِ وَلاَ إيجَابَ كَشْفِ مَعَانِيهِ عَمَّا ذُكِرَ مِمَّا يُوجِبُهُ‏,‏ وَأَنَّ كُلَّ فَضْلٍ ذُكِرَ لِغَيْرِ فَاطِمَةَ مِمَّا قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ فَضُلَتْ بِهِ فَاطِمَةُ مُحْتَمِلاً لاََنْ يَكُونَ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ صَغِيرَةٌ‏,‏ ثُمَّ بَلَغَتْ بَعْدَ ذَلِكَ فَصَارَتْ بِالْمَكَانِ الَّذِي جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَذَكَرَهَا بِهِ وَاخْتَصَّهَا بِمَا اخْتَصَّهَا بِهِ فِيهِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا كَانَ أَمَرَ بِهِ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ مِنْ الأَكْلِ مِمَّا يَلِيهِ مِنْ الطَّعَامِ دُونَ مَا سِوَاهُ مِنْهُ وَمَا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْمَعْنَى سِوَاهُ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ يُونُسَ الْكُوفِيُّ أَبُو جَعْفَرٍ الْمَعْرُوفُ بِالسُّوسِيِّ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ‏:‏ دَخَلْت عَلَى النَّبِيِّ عليه السلام‏,‏ وَهُوَ يَأْكُلُ فِي بَيْتِ أُمِّي فَقَالَ اجْلِسْ يَا بُنَيَّ سَمِّ اللَّهَ تَعَالَى وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا يَلِيك قَالَ فَمَا زَالَتْ أَكْلَتِي بَعْدُ‏.‏

حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِي وَجْزَةَ عَنْ جَارٍ لِعُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ عِنْدَنَا فَاسِدَ الإِسْنَادِ إذْ كَانَ مِنْ رِوَايَةِ جَارِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ لَنَا فِيهِ وَلَمْ نَعْرِفْهُ فَطَلَبْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَغَيْرِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ هِشَامٍ فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الصَّبَّاحِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى يَعْنِي ابْنَ عَبْدِ الأَعْلَى قَالَ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدَهُ طَعَامٌ فَقَالَ‏:‏ ادْنُهْ يَا بُنَيَّ فَسَمِّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا يَلِيك

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ ظَاهِرُ هَذَا الْحَدِيثِ لَوْلاَ مَا قَدْ عَارَضَهُ بِمَا قَدْ رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ مُسْتَقِيمَ الإِسْنَادِ‏,‏ وَلَكِنْ لَمَّا عَارَضَهُ فِي إسْنَادِ مَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ كَافَأَهُ وَوَجَبَ تَنَافِيهِ وَإِيَّاهُ لِذَلِكَ‏,‏ ثُمَّ طَلَبْنَاهُ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ هِشَامٍ فَوَجَدْنَا أَبَا أُمَيَّةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ الْقَطَوَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ لَهُ‏:‏ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك وَوَجَدْنَا إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ الْوُحَاظِيُّ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام قَالَ لَهُ‏:‏ اُدْنُ فَسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا يَلِيك فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ حَسَنَ الإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّا قَدْ وَجَدْنَاهُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ مَوْقُوفًا كَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِطَعَامٍ وَمَعَهُ رَبِيبُهُ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيك‏,‏ ثُمَّ طَلَبْنَاهُ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ وَهْبٍ فَوَجَدْنَا رَوْحَ بْنَ الْفَرَجِ أَبَا الزِّنْبَاعِ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرِ الْمَدِينِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْت غُلاَمًا يَتِيمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَكَلْت مَعَهُ فَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ يَا غُلاَمُ‏,‏ إذَا أَكَلْت فَسَمِّ اللَّهَ وَإِذَا أَكَلْت فَكُلْ بِيَمِينِك وَإِذَا أَكَلْت فَكُلْ مِمَّا يَلِيك قَالَ‏:‏ فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طُعْمَتِي بَعْدُ وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ الْجَوَّازُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ سَمِعْت وَهْبَ بْنَ كَيْسَانَ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ كُنْت غُلاَمًا فِي حِجْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ‏:‏ عليه السلام يَا غُلاَمُ‏,‏ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِك وَكُلْ مِمَّا يَلِيك فَاسْتَقَامَ لَنَا إسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ‏,‏ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثًا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَدْخُلُ هَذَا الْمَعْنَى‏,‏ وَهُوَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ الْبَرَكَةَ وَسَطَ الْقَصْعَةِ فَكُلُوا مِنْ نَوَاحِيهَا وَلاَ تَأْكُلُوا مِنْ رَأْسِهَا وَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنَ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ كُلُوا مِنْ أَسْفَلِ الصَّحْفَةِ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ أَعْلاَهَا فَاخْتَلَفَ الثَّوْرِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَلَى عَطَاءٍ وَكِلاَهُمَا حُجَّةٌ فِيهِ فِي إسْنَادِ هَذَا الْحَدِيث فَوَصَلَهُ الثَّوْرِيُّ وَوَقَفَهُ حَمَّادٌ عَلَى ابْنِ جُبَيْرٍ وَوَجَدْنَا مُحَمَّدَ بْنَ خُزَيْمَةَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ كُلُوا مِنْ حَافَّاتِ الْقَصْعَةِ فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ وَسَطِهَا

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَإِنَّمَا أَدْخَلْنَا فِي هَذَا الْبَابِ مَا رَوَاهُ هَمَّامٌ عَنْ عَطَاءٍ‏,‏ وَإِنْ كَانَ الَّذِينَ يَعُدُّونَهُمْ الْحُجَّةَ فِي عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالإِسْنَادِ إنَّمَا هُمْ أَرْبَعَةٌ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ شُعْبَةُ وَالثَّوْرِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ‏;‏ لأَنَّ سَمَاعَ هَمَّامٍ مِنْ عَطَاءٍ إنَّمَا كَانَ بِالْبَصْرَةِ لَمَّا قَدِمَهَا عَلَيْهِمْ وَقَدْ كَانَ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ لَمَّا قَدِمَهَا عَلَيْهِمْ عَطَاءُ قَالَ لِلنَّاسِ ائْتُوهُ وَسَلُوهُ عَنْ حَدِيثِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو فِي التَّسْبِيحِ فِي دُبُرِ الصَّلاَةِ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ‏:‏ قَدِمَ عَلَيْنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ الْبَصْرَةَ فَقَالَ لَنَا أَيُّوبُ‏:‏ ائْتُوهُ فَاسْأَلُوهُ عَنْ حَدِيثِ التَّسْبِيحِ قَالَ الْقَوَارِيرِيُّ يَعْنِي حَدِيثَ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَقَوِيٌّ فِي قُلُوبِنَا سَمَاعُ هَمَّامٍ مِنْهُ إذْ كَانَ بِالْبَصْرَةِ‏;‏ لأَنَّهُ إنَّمَا كَانَ اخْتِلاَطُهُ بَعْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْكُوفَةِ وَتَأَمَّلْنَا حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا هَلْ ضَادَّ حَدِيثَ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الَّذِي رَوَيْنَاهُ عَنْهُ إذْ كَانَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ كُلُوا مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ فَلَمْ يُوجَدْ فِي ذَلِكَ مَا يُوجِبُ تَضَادَّ حَدِيثِ عُمَرَ إذْ كَانَ قَدْ يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ عليه السلام كُلُوا مِنْ نَوَاحِي الصَّحْفَةِ أَيْ‏:‏ يَأْكُلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مِمَّا يَلِيهِ مِنْ نَوَاحِيهَا لاَ يَخْرُجُ عَنْهُ إلَى مَا سِوَاهُ مِنْ نَوَاحِيهَا وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ مَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا يُرَادُ بِهِ الأَكْلُ وَحْدَهُ لاَ الأَكْلُ مَعَ غَيْرِهِ إذْ كَانَ تَعَدِّيهِ فِي أَكْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ إلَى غَيْرِ مَا يَلِيهِ مِنْ الْقَصْعَةِ الَّتِي يَأْكُلُ مَعَهُ فِيهَا سُوءُ أَدَبٍ عَلَيْهِ وَإِذَا كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ لَمْ يَكُنْ فِي أَكْلِهِ مِنْ حَيْثُ أَكَلَ مِنْ الصَّحْفَةِ سِوَى وَسَطِهَا سُوءُ أَدَبٍ عَلَى أَحَدٍ ثُمَّ تَأَمَّلْنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ هَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا طَلَبْنَاهُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْهُمَا فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ إنَّ خَيَّاطًا دَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِطَعَامٍ صَنَعَهُ قَالَ أَنَسٌ فَذَهَبْت مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى ذَلِكَ الطَّعَامِ فَقَرَّبَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُبْزًا مِنْ شَعِيرٍ وَقَدِيدًا فِيهِ دُبَّاءٌ قَالَ أَنَسٌ فَرَأَيْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَتَبَّعُ الدُّبَّاءَ مِنْ حَوْلِ الصَّحْفَةِ فَلَمْ أَزَلْ أُحِبُّ الدُّبَّاءَ مِنْ يَوْمِئِذٍ فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ذِكْرُ أَكْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ مَا كَانَ يَلِيهِ مِنْ الْقَصْعَةِ الَّتِي كَانَ يَأْكُلُ فِيهَا ذَلِكَ الطَّعَامَ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ مَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ مِمَّا نَهَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ عَنِ الأَكْلِ مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيهِ مِنْ الْقَصْعَةِ الَّتِي كَانَ يَأْكُلُ مَعَهُ فِيهَا إنَّمَا كَانَ لأَكْلِهِ مَعَ غَيْرِهِ‏,‏ وَأَنَّ مَا فِي حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ أَكْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ مَا يَلِيهِ مِنْ الْقَصْعَةِ الَّتِي كَانَ يَأْكُلُ فِيهَا إنَّمَا كَانَ لأَكْلِهِ وَحْدَهُ فَخَرَجَ بِذَلِكَ جَمِيعُ مَا رَوَيْنَاهُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ التَّضَادِّ وَعَقَلْنَا أَنَّهُ عَلَى مَعْنَيَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خِلاَفُ الْمَعْنَى الآخَرِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رَوَاهُ جَابِرٌ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ اسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا فَقَالَ جَابِرٌ أَنَا فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ عليه السلام أَنَا أَنَا وَكَأَنَّهٌ كَرِهَ ذَلِكَ

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ‏:‏ اسْتَأْذَنْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ مَنْ هَذَا فَقُلْت‏:‏ أَنَا فَقَالَ‏:‏ أَنَا أَنَا وَكَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ‏.‏

وَحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ الزَّهْرَانِيُّ وَوَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ قَالاَ ثنا شُعْبَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ أَتَيْت النَّبِيَّ عليه السلام فِي دَيْنٍ كَانَ عَلَى أَبِي فَضَرَبْت الْبَابَ فَقَالَ‏:‏ مَنْ ذَا فَقُلْت أَنَا فَقَالَ‏:‏ أَنَا أَنَا كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَكَانَ مَعْنَى هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏.‏

لَمَّا قَرَعَ جَابِرٌ عَلَيْهِ الْبَابَ فَقَالَ لَهُ مَنْ هَذَا إذْ كَانَ لَمْ يَعْرِفْهُ لِيَعْرِفَهُ فَأَجَابَهُ جَابِرٌ بِمَا أَجَابَهُ بِهِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ بِذَلِكَ فَكَانَ سُؤَالُهُ عليه السلام إيَّاهُ مَنْ هَذَا يَقْتَضِي جَوَابًا لَمْ يَكُنْ مِنْ جَابِرٍ إلَى حِينَئِذٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَرَادَ مِنْهُ جَوَابًا يُفِيدُهُ عِلْمَ الَّذِي دَقَّ الْبَابَ مَنْ هُوَ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ نَهْيِهِ عَنْ الْجُلُوسِ بِالصُّعُدَاتِ وَمِنْ إبَاحَتِهِ ذَلِكَ عَلَى الشَّرَائِطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا فِي إبَاحَتِهِ ذَلِكَ

حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ سِنَانٍ الْهَرَوِيُّ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ قَالَ سَمِعْت إِسْحَاقَ بْنَ سُوَيْد يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ حُجَيْرٍ الْعَدَوِيِّ قَالَ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ أَتَى عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ جُلُوسٌ عَلَى الطَّرِيقِ فَقَالَ‏:‏ إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ عَلَى هَذِهِ الطُّرُقِ فَإِنَّهَا مَجَالِسُ الشَّيْطَانِ فَإِنْ كُنْتُمْ لاَ مَحَالَةَ فَأَدُّوا حَقَّ الطَّرِيقِ‏,‏ ثُمَّ مَضَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَدُّوا حَقَّ الطَّرِيقِ وَلَمْ أَسْأَلْهُ مَا هُوَ فَلَحِقْتُهُ فَقُلْت يَا رَسُولَ اللهِ إنَّك قُلْت كَذَا‏,‏ وَكَذَا فَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ قَالَ‏:‏ حَقُّ الطَّرِيقِ أَنْ تَرُدَّ السَّلاَمَ وَتَغُضَّ الْبَصَرَ وَتَكُفَّ الأَذَى وَتَهْدِيَ الضَّالَّ وَتُعِينَ الْمَلْهُوفَ وحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سُوَيْد عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام بِهَذَا الْحَدِيثِ مُنْقَطِعِ الإِسْنَادِ كَمَا ذَكَرْنَا وَبِدُونِ الْكَلاَمِ الَّذِي فِي حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ثنا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ثنا عُثْمَانُ بْنُ حَكِيمٍ ثنا إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ أَبُو طَلْحَةَ كُنَّا جُلُوسًا بِالأَفْنِيَةِ فَمَرَّ بِنَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ فَقُلْنَا‏:‏ اجْتَمَعْنَا لِغَيْرِ مُرَابٍ نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ قَالَ‏:‏ فَأَعْطُوا الْمَجَالِسَ حَقَّهَا قَالُوا‏:‏ وَمَا حَقُّهَا يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلاَمِ وَطِيبُ الْكَلاَمِ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ حَدَّثَنَا هُرَيْمُ بْنُ سُفْيَانَ الْبَجَلِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيُّ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ‏:‏ إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الصُّعُدَاتِ فَمَنْ جَلَسَ فِي صَعِيدٍ فَلْيُعْطِهِ حَقَّهُ قَالُوا‏:‏ وَمَا حَقُّهُ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ إغْضَاضُ الْبَصَرِ وَرَدُّ التَّحِيَّةِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ ثنا ابْنُ وَهْبٍ ثنا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ إيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ بِالطُّرُقَاتِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ لاَ بُدَّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجَالِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ‏:‏ غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الأَذَى وَرَدُّ السَّلاَمِ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنِي أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِنَاسٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ‏:‏ إنْ كُنْتُمْ لاَ بُدَّ فَاعِلِينَ فَأَفْشُوا السَّلاَمَ وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ وَاهْدُوا السَّبِيلَ‏.‏

حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ عليه السلام مَرَّ بِنَاسٍ جُلُوسٍ مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ‏:‏ إنْ كُنْتُمْ لاَ بُدَّ فَاعِلِينَ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءً غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ فِيهِ قَالَ شُعْبَةُ وَلَمْ يَسْمَعْ هَذَا الْحَدِيثَ أَبُو إِسْحَاقَ مِنْ الْبَرَاءِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهَذَا اخْتِلاَفٌ شَدِيدٌ عَلَى شُعْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ‏;‏ لأَنَّ حَجَّاجًا يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعَ أَبِي إِسْحَاقَ إيَّاهُ مِنْ الْبَرَاءِ وَأَبُو الْوَلِيدِ يَنْفِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ مَا الصَّوَابِ فِيهِ‏.‏

حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ النَّهْدِيُّ مَالِكُ بْنُ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ قَالَ‏:‏ مَرَّ النَّبِيُّ عليه السلام عَلَى مَجْلِسٍ لِلأَنْصَارِ فَقَالَ إنْ أَبَيْتُمْ إِلاَّ أَنْ تَجْلِسُوا فَرُدُّوا السَّلاَمَ وَاهْدُوا السَّبِيلَ وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذِهِ الآثَارِ فَوَجَدْنَا فِيهَا نَهْيَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الْجُلُوسِ بِالصُّعُدَاتِ‏,‏ ثُمَّ أَبَاحَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا أَبَاحَهُ مِنْ الْجُلُوسِ فِيهَا عَلَى الشَّرَائِطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ ذَلِكَ مِنْهَا‏.‏

فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ نَهْيَهُ كَانَ عَلَى الْجُلُوسِ فِيهَا إنَّمَا كَانَ عَلَى الْجُلُوسِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ الشَّرَائِطُ الَّتِي اشْتَرَطَهَا عِنْدَ إبَاحَتِهِ الْجُلُوسَ فِيهَا عَلَى مَنْ آثَرَ أَنْ يَجْلِسَ فِيهَا وَعَلَى أَنَّ إبَاحَتَهُ الْجُلُوسَ فِيهَا مُضَمَّنٌ بِالشَّرَائِطِ الَّتِي اشْتَرَطَهَا فِي إبَاحَتِهِ الْجُلُوسَ فِيهَا عَلَى مَنْ أَبَاحَهُ ذَلِكَ مِنْهَا وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى تَبَايُنِ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم وَتَبَايُنِ إبَاحَتِهِ‏,‏ وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِمَعْنًى لَيْسَ فِي الآخَرِ مِنْهُمَا وَفِي هَذِهِ الآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ النَّاسِ الاِسْتِعْمَالَ مِنْ طُرُقِهِمْ الْعَامَّةِ مَا لاَ ضَرَرَ فِيهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِهَا وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ مَعْقُولاً أَنَّ الْجُلُوسَ فِيهَا إنْ كَانَ مِمَّا يُضَيِّقُ عَلَى الْمَارِّينَ بِهَا جُلُوسَ الْجَالِسِينَ بِهَا إيَّاهَا غَيْرُ دَاخِلٍ فِيمَا أَبَاحَهُ عليه السلام مِنْهَا‏,‏ وَأَنَّ ذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى مَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ مُعَاذٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مُنَادِيًا فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ لَمَّا ضَيَّقَ النَّاسُ الْمَنَازِلَ وَقَطَعُوا الطُّرُقَاتِ فَنَادَى أَنَّ مَنْ ضَيَّقَ مَنْزِلاً وَقَطَعَ طَرِيقًا فَلاَ جِهَادَ لَهُ‏.‏

وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا وَالْوَاجِبُ عَلَى ذَوِي اللُّبِّ أَنْ يَعْقِلُوا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُخَاطِبُ بِهِ أُمَّتَهُ فَإِنَّهُ إنَّمَا يُخَاطِبُهُمْ بِهِ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى حُدُودِ دِينِهِمْ وَعَلَى الآدَابِ الَّتِي يَسْتَعْمِلُونَهَا فِيهِ وَعَلَى الأَحْكَامِ الَّتِي يَحْكُمُونَ بِهَا فِيهِ وَأَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لاَ تَضَادَّ فِيهَا‏,‏ وَأَنَّ كُلَّ مَعْنًى مِنْهَا يُخَاطِبُهُمْ بِهِ يُخَالِفُ أَلْفَاظُهُ فِيهِ الأَلْفَاظَ الَّتِي قَدْ كَانَ خَاطَبَهُمْ فِيمَا قَبْلَهُ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَأَنْ يَطْلُبُوا مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك الْمَعْنَيَيْنِ إذَا وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّ فِي ذَلِكَ تَضَادًّا أَوْ خِلاَفًا فَإِنَّهُمْ يَجِدُونَهُ بِخِلاَفِ مَا ظَنُّوهُ فِيهِ‏,‏ وَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ عَلَى بَعْضِهِمْ فَإِنَّمَا هُوَ لِتَقْصِيرِ عِلْمِهِ عَنْهُ لاَ لأَنَّ فِيهِ مَا ظَنَّهُ مِنْ تَضَادٍّ أَوْ خِلاَفٍ‏;‏ لأَنَّ مَا تَوَلَّاهُ اللَّهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي اسْمِ اللهِ الأَعْظَمِ أَيُّ أَسْمَائِهِ هُوَ‏؟‏

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ وَمَالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ سَمِعَ النَّبِيُّ عليه السلام رَجُلاً يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ فَقَالَ‏:‏ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بِاسْمِهِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ الْهَمْدَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ بُكَيْر حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ‏:‏ مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِرَجُلٍ يُصَلِّي‏,‏ وَهُوَ‏:‏ يَقُولُ اللَّهُمَّ لَك الْحَمْدُ لاَ إلَهَ إِلاَّ أَنْتَ يَا مَنَّانُ يَا بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِنَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ تَدْرُونَ مَا دَعَا الرَّجُلُ قَالُوا‏:‏ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ دَعَا رَبَّهُ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى حَدَّثَنَا فَهْدٌ ثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ ثنا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ كُنْت قَاعِدًا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَلْقَةٍ فَقَامَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَلَمَّا رَكَعَ وَسَجَدَ وَقَعَدَ فَتَشَهَّدَ دَعَا فَقَالَ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك بِأَنَّ لَك الْحَمْدَ لاَ إلَهَ إِلاَّ أَنْتَ بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَا ذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَتَدْرُونَ مَا دَعَا قَالُوا‏:‏ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ‏:‏ إنَّهُ دَعَا بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَهَذِهِ الآثَارُ قَدْ رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّفِقَةً فِي اسْمِ اللهِ الأَعْظَمِ أَنَّهُ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي هَذَا شَيْءٌ نَحْنُ ذَاكِرُوهُ فِي هَذَا الْبَابِ وَهُوَ مَا أَجَازَ لَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْعَبَّاسِ الرَّازِيّ وَأَعْلَمَنَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُوسَى بْنِ نَصْرٍ الرَّازِيِّ وَأَنَّ مُوسَى بْنَ نَصْرٍ ثنا بِهِ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ اسْمُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ الأَكْبَرُ هُوَ اللَّهُ قَالَ مُحَمَّدٌ أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّحْمَنَ اُشْتُقَّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَالرَّبَّ مِنْ الرُّبُوبِيَّةِ وَذَكَرَ أَشْيَاءَ نَحْوَ هَذَا وَاَللَّهُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ مِنْ شَيْءٍ قَالَ هِشَامُ بْنُ عُبَيْدِ اللهِ الرَّازِيّ فَمَا أَدْرِي أَفَسَّرَ مُحَمَّدٌ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ أَمْ مِنْ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَيْرِ هَذِهِ الآثَارِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ مَا فِي هَذِهِ الآثَارِ فَذَكَرَ‏.‏

مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ الشَّيْرَزِيُّ ثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلاَءِ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ يَرْفَعُهُ قَالَ اسْمُ اللهِ الأَعْظَمُ الَّذِي إذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ فِي سُوَرٍ ثَلاَثٍ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ عَمْرُو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الدِّمَشْقِيُّ قَالَ سَمِعْت عِيسَى بْنَ مُوسَى يَقُولُ لاِبْنِ زَبْرٍ يَا أَبَا زَبْرٍ سَمِعْت غَيْلاَنَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ سَمِعْت الْقَاسِمَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ إنَّ اسْمَ اللهِ الأَعْظَمَ لَفِي ثَلاَثِ سُوَرٍ مِنْ الْقُرْآنِ الْبَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ قَالَ أَبُو حَفْصٍ فَنَظَرْت فِي هَذِهِ السُّوَرِ الثَّلاَثِ فَرَأَيْت فِيهَا أَشْيَاءَ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ مِثْلُهَا آيَةُ الْكُرْسِيِّ اللَّهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَفِي آلِ عِمْرَانَ اللَّهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَفِي طَه وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ أَنَّ مَا اسْتَخْرَجَهُ أَبُو حَفْصٍ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِيهِ اللَّهُ وَاَلَّذِي اسْتَخْرَجَهُ مِنْ آلِ عِمْرَانَ كَذَلِكَ أَيْضًا فِيهِ اللَّهُ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خَارِجًا مِنْ الآثَارِ الَّتِي رَوَيْنَاهَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْبَابِ وَلاَ مُخَالِفًا لِمَا فِيهَا وَكَانَ مَا اسْتَخْرَجَهُ مِمَّا فِي طَه قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كَمَا اسْتَخْرَجَهُ فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّ اسْمَ اللهِ الأَعْظَمَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ مَا فِي طَه سِوَى ذَلِكَ‏,‏ وَهُوَ قَوْلُ اللهِ تَعَالَى فِيهَا وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الآيَةَ فَيَرْجِعُ مَا فِي طَه إلَى مِثْلِ مَا رَجَعَ إلَيْهِ مَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَا فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ أَنَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الأَنْصَارِيَّةِ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام فِي ذَلِكَ مَا يُخَالِفُ الْحَدِيثَ الَّذِي اسْتَخْرَجَ مِنْهُ أَبُو حَفْصٍ مَا اسْتَخْرَجَ كَمَا حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ ثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إنَّ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ اسْمَ اللهِ الأَعْظَمَ ‏{‏وَإِلَهُكُمْ إلَهٌ وَاحِدٌ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ‏}‏ و‏{‏الم اللَّهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ‏}‏‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ثنا أَبُو عَاصِمٍ النَّبِيلُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ شَهْرٍ عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ فَكَانَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ مَوْضِعُ اسْمِ اللهِ مِنْ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمِنْ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ بِمَا لَيْسَ فِي إحْدَاهُمَا ذِكْرُ الْحَيِّ الْقَيُّومِ وَفِيهِمَا جَمِيعًا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَكَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَجِبُ بِهِ أَنْ يُعْقَلَ أَنَّ الَّذِي فِي سُورَةِ طَه هُوَ ذَلِكَ أَيْضًا لاَ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَفْصٍ وَكَانَ فِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ وَافَقَهُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَكَانَ قَوْلُهُمْ اللَّهُمَّ إنَّمَا كَانَ الأَصْلُ فِيهِ يَا اللَّهُ فَلَمَّا حَذَفُوا الْيَاءَ مِنْ أَوَّلِ الْحَرْفِ زَادُوا الْمِيمَ فِي آخِرِهِ لِيَرْجِعَ الْمَعْنَى الَّذِي فِي يَا اللَّهُ وَفِيمَا رَوَيْنَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَصْدِيقُ بَعْضِهِ بَعْضًا وَانْتَفَى الاِخْتِلاَفُ مِنْهُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ دُعَائِهِ اللَّهُمَّ قَوِّ فِي طَاعَتِك ضَعْفِي

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْمَعْنِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ الْعَلاَءِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي دَاوُد الْهَمْدَانِيِّ عَنْ بُرَيْدَةَ قَالَ قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَلاَ أُعَلِّمُك كَلِمَاتٍ مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا عَلَّمَهُ إيَّاهَا‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَنْسَهُنَّ أَبَدًا اللَّهُمَّ إنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّ فِي رِضَاك ضَعْفِي وَخُذْ إلَى الْخَيْرِ بِنَاصِيَتِي وَاجْعَلْ الإِسْلاَمَ مُنْتَهَى رِضَايَ اللَّهُمَّ إنِّي ضَعِيفٌ فَقَوِّنِي وَإِنِّي ذَلِيلٌ فَأَعِزَّنِي وَإِنِّي فَقِيرٌ فَأَغْنِنِي‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عَاصِمٍ حَدَّثَنَا مِنْدَلُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا الْعَلاَءُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي دَاوُد الْهَمْدَانِيِّ عَنْ بُرَيْدَةَ الأَسْلَمِيِّ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَالَ‏,‏ ثُمَّ لَمْ يَسْأَلْهُنَّ إيَّاهُ أَبَدًا فَتَأَمَّلْنَا مَا فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْنَا الضَّعْفَ لاَ يَكُونُ قُوَّةً أَبَدًا وَوَجَدْنَا الْقُوَّةَ لاَ تَكُونُ ضَعْفًا أَبَدًا‏;‏ لأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ضِدٌّ لِصَاحِبِهِ وَلاَ يَكُونُ الشَّيْءُ ضِدًّا لِنَفْسِهِ أَبَدًا إنَّمَا يَكُونُ ضِدًّا لِغَيْرِهِ وَكَانَ الضَّعْفُ وَالْقُوَّةُ لاَ يَقُومَانِ بِأَنْفُسِهِمَا إنَّمَا يَكُونَانِ حَالَّيْنِ فِي أَبْدَانِ الْحَيَوَانِ مِنْ بَنِي آدَمَ وَمِمَّا سِوَاهُمْ فَيَعُودُ مَا يَحُلُّ فِيهِ الضَّعْفُ مِنْهُمَا ضَعِيفًا وَمَا يَحُلُّ فِيهِ الْقُوَّةُ مِنْهُمَا قَوِيًّا‏.‏

فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ دُعَاءَهُ صلى الله عليه وسلم اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَ ضَعْفَهُ قَوِيًّا إنَّمَا مُرَادُهُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنْ يَجْعَلَ مَا فِيهِ الضَّعْفُ مِنْهُ‏,‏ وَهُوَ بَدَنُهُ قَوِيًّا فَهَذَا أَحْسَنُ مَا وَجَدْنَاهُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ‏,‏ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ‏,‏ وَلَكِنْ لِيَضَعْ يَدَيْهِ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ

حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَبْرُكْ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ‏,‏ وَلَكِنْ يَضَعُ يَدَيْهِ‏,‏ ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ هَذَا كَلاَمٌ مُسْتَحِيلٌ‏;‏ لأَنَّهُ نَهَاهُ إذَا سَجَدَ أَنْ يَبْرُكَ كَمَا يَبْرُكُ الْبَعِيرُ وَالْبَعِيرُ إنَّمَا يَنْزِلُ عَلَى يَدَيْهِ‏,‏ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ‏,‏ وَلَكِنْ لِيَضَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ فَكَانَ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا نَهَاهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِهِ قَدْ أَمَرَهُ بِهِ فِي آخِرِهِ‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا مَا قَالَ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُ مُحَالاً وَوَجَدْنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ مُسْتَقِيمًا لاَ إحَالَةَ فِيهِ‏,‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْبَعِيرَ رُكْبَتَاهُ فِي يَدَيْهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ كُلُّ ذِي أَرْبَعٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَنُو آدَمَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ‏;‏ لأَنَّ رُكَبَهُمْ فِي أَرْجُلِهِمْ لاَ فِي أَيْدِيهِمْ فَنَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْحَدِيثِ الْمُصَلِّيَ أَنْ يَخِرَّ عَلَى رُكْبَتَيْهِ اللَّتَيْنِ فِي رِجْلَيْهِ كَمَا يَخِرُّ الْبَعِيرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ اللَّتَيْنِ فِي يَدَيْهِ‏,‏ وَلَكِنْ يَخِرُّ لِسُجُودِهِ عَلَى خِلاَفِ ذَلِكَ فَيَخِرُّ عَلَى يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ لَيْسَ فِيهِمَا رُكْبَتَاهُ بِخِلاَفِ مَا يَخِرُّ الْبَعِيرُ عَلَى يَدَيْهِ اللَّتَيْنِ فِيهِمَا رُكْبَتَاهُ فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَلاَمٌ صَحِيحٌ لاَ تَضَادَّ فِيهِ وَلاَ اسْتِحَالَةَ فِيهِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثَوْرَانِ مُكَوَّرَانِ فِي النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ الْعَمِّيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ الدَّانَاجِ قَالَ شَهِدْت أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ فِي زَمَنِ خَالِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ أُسَيْدَ قَالَ فَجَاءَ الْحَسَنُ فَجَلَسَ إلَيْهِ فَتَحَدَّثَا فَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ مُكَوَّرَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَقَالَ الْحَسَنُ مَا ذَنْبُهُمَا فَقَالَ إنَّمَا أُحَدِّثُك عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَكَتَ الْحَسَنُ فَكَانَ مَا كَانَ مِنْ الْحَسَنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إنْكَارًا عَلَى أَبِي سَلَمَةَ إنَّمَا كَانَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَا وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُمَا يُلْقَيَانِ فِي النَّارِ لِيُعَذَّبَا بِذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ لَهُ عَنْ ذَلِكَ جَوَابٌ وَجَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ إنَّمَا يُكَوَّرَانِ فِي النَّارِ لِيُعَذِّبَا أَهْلَ النَّارِ لاَ أَنْ يَكُونَا مُعَذَّبَيْنِ فِي النَّارِ وَأَنْ يَكُونَا فِي تَعْذِيبِ مَنْ فِي النَّارِ كَسَائِرِ مَلاَئِكَةِ اللهِ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ أَهْلَهَا أَلاَ تَرَى إلَى قوله تعالى ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ‏}‏ أَيْ‏:‏ مِنْ تَعْذِيبِ أَهْلِ النَّارِ ‏{‏وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ‏}‏‏,‏ وَكَذَلِكَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ هُمَا فِيهَا بِهَذِهِ الْمَنْزِلَةِ مُعَذِّبَانِ لأَهْلِ النَّارِ بِذُنُوبِهِمْ لاَ مُعَذَّبَانِ فِيهَا إذْ لاَ ذُنُوبَ لَهُمَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا وَفِيهِ زِيَادَةُ أَنَّهُمَا عَقِيرَانِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْبَغْدَادِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ الْقُرَشِيُّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏,‏ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ ابْنُ النَّطَّاحِ وَيُضَافُ وَلاَؤُهُ إلَى جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْهَاشِمِيِّ حَدَّثَنَا دُرُسْتُ بْنُ زِيَادٍ الْقُشَيْرِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَهُوَ الرَّقَاشِيُّ حَدَّثَنَا أَنَسٌ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ثَوْرَانِ عَقِيرَانِ فِي النَّارِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَعْنَى الْعُقْرِ الَّذِي ذُكِرَ أَنَّهُ لَهُمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِاللُّغَةِ لَمْ يُرِدْ بِهِ الْعُقْرَ لَهُمَا عُقُوبَةً لَهُمَا إذْ كَانَ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ فِيهِمَا إذْ كَانَا فِي الدُّنْيَا مِنْ عِبَادَةِ اللهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُمَا بِهِ فِي كِتَابِهِ بِقَوْلِهِ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَذَكَرَ مَعَهُمَا مَنْ ذَكَرَ مَعَهُمَا فِي هَذِهِ الآيَةِ حَتَّى أَتَى عَلَى قوله تعالى ‏{‏وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ‏}‏ فَأَخْبَرَ أَنَّ عَذَابَهُ إنَّمَا يَحِقُّ عَلَى غَيْرِ مَنْ يَسْجُدُ لَهُ فِي الدُّنْيَا‏,‏ وَلَكِنَّهُمَا كَانَا فِي الدُّنْيَا يَسْبَحَانِ فِي الْفَلَكِ الَّذِي كَانَا يَسْبَحَانِ فِيهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ الآيَةَ‏,‏ ثُمَّ أَعَادَهُمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُوَكَّلَيْنِ بِالنَّارِ كَغَيْرِهِمَا مِنْ مَلاَئِكَتِهِ الْمُوَكَّلِينَ بِهَا فَقَطَعَهُمَا بِذَلِكَ عَمَّا كَانَا فِيهِ مِنْ الدُّنْيَا مِنْ السِّبَاحَةِ فَعَادَا بِانْقِطَاعِهِمَا عَنْ ذَلِكَ كَالزَّمِنَيْنِ بِالْعُقْرِ فَقِيلَ لَهُمَا عَقِيرَانِ عَلَى اسْتِعَارَةِ هَذَا الاِسْمِ لَهُمَا لاَ عَلَى حَقِيقَةِ حُلُولِ عَقْرٍ بِهِمَا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونٍ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو بَكْرٍ ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي أَبُو قِلاَبَةَ حَدَّثَنِي أَبُو عَبْدِ اللهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا‏.‏

حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ لأَبِي عَبْدِ اللهِ أَوْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ لأَبِي مَسْعُودٍ أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي زَعَمُوا بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَصْفِهِ زَعَمُوا بِمَا وَصَفَهَا بِهِ وَذِكْرُهُ إيَّاهَا أَنَّهَا بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ فَوَجَدْنَا زَعَمُوا لَمْ تَجِئْ فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ فِي الإِخْبَارِ عَنْ الْمَذْمُومِينَ بِأَشْيَاءَ مَذْمُومَةٍ كَانَتْ مِنْهُمْ‏.‏

فَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا‏}‏ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ‏}‏ وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏قُلْ اُدْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ‏}‏ ثُمَّ أَتْبَعَ ذَلِكَ بِإِخْبَارِهِ بِعَجْزِهِمْ أَنْ دَعَوْهُمْ بِذَلِكَ بِقَوْلِهِ ‏{‏فَلاَ يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنْكُمْ وَلاَ تَحْوِيلاً‏}‏ وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمْ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ‏}‏ ثُمَّ رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ ‏{‏لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ‏}‏ الآيَةَ‏.‏

وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنْ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ‏}‏ وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏وَقَالُوا هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَنْ نَشَاءُ بِزَعْمِهِمْ‏}‏ وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمْ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ‏}‏ وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ‏}‏ الآيَةَ وَكُلُّ هَذِهِ الأَشْيَاءِ إخْبَارٌ مِنْ اللهِ تَعَالَى بِهَا عَنْ قَوْمٍ مَذْمُومِينَ فِي أَحْوَالٍ لَهُمْ مَذْمُومَةٍ وَبِأَقْوَالٍ كَانَتْ مِنْهُمْ كَانُوا فِيهَا كَاذِبِينَ مُفْتَرِينَ عَلَى اللهِ تَعَالَى فَكَانَ مَكْرُوهًا لأَحَدٍ مِنْ النَّاسِ لُزُومُ أَخْلاَقِ الْمَذْمُومِينَ فِي أَخْلاَقِهِمْ الْكَافِرِينَ فِي أَدْيَانِهِمْ الْكَاذِبِينَ فِي أَقْوَالِهِمْ وَكَانَ الأَوْلَى بِأَهْلِ الإِيمَانِ لُزُومَ أَخْلاَقِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ سَبَقُوهُمْ بِالإِيمَانِ وَمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ الْمَذَاهِبِ الْمَحْمُودَةِ وَالأَقْوَالِ الصَّادِقَةِ الَّتِي حَمِدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَتُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِهِ مَنْ قِبَلَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ فِي عِرْضٍ أَوْ فِي مَالٍ أَنْ يَتَحَلَّلَهُ مِنْهَا فِي الدُّنْيَا

حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حِينَ لاَ يَكُونُ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْخُرَاسَانِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأَخِيهِ فِي عِرْضٍ أَوْ فِي مَالٍ فَلْيَأْتِهِ فَلْيُحَلِّلْهُ مِنْهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ فَكَانَ مَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ مِنْهُ مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلِمَةٌ مِنْ أَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ مَالِهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ فَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ فَلْيَتَحَلَّلْهُ بِمَا يَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ مِثْلِهِ مِنْ دَفْعِ مَالٍ مَكَانَ مَالٍ وَمِنْ عَفْوٍ عَنْ عُقُوبَةٍ وَجَبَتْ فِي انْتِهَاكِهِ عِرْضَهُ‏;‏ لأَنَّ ذَلِكَ الاِنْتِهَاكَ يُوجِبُ عَلَى الْمُنْتَهِكِ الْعُقُوبَةَ فِي بَدَنِهِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ‏:‏ يَا فَاسِقُ أَوْ يَا خَبِيثُ أَوْ يَا سَارِقُ وَلاَ تَقُومُ الْحُجَّةُ لَهُ عَلَيْهِ أَنَّهُ كَذَلِكَ فَعَلَى ذَلِكَ الْقَائِلِ الْعُقُوبَةُ وَلِلْوَاجِبَةِ لَهُ تِلْكَ الْعُقُوبَةُ الْعَفْوُ عَنْهُ لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَذَلِكَ التَّحْلِيلُ الَّذِي يُرَادُ مِنْ هَذِهِ الْعُقُوبَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

وَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ مَكَانَ ذَلِكَ فَلْيَأْتِهِ فَلْيُحَلِّلْهُ مِنْهَا فَذَلِكَ عَلَى إتْيَانِ مَنْ لَهُ الْمَظْلِمَةُ لاَ عَلَى إتْيَانِ مَنْ هِيَ عَلَيْهِ‏,‏ وَذَلِكَ بَعِيدٌ فِي الْمَعْنَى‏;‏ لأَنَّ الَّذِي لَهُ الْمَظْلِمَةُ غَيْرُ مَخُوفٍ عَلَيْهِ مِنْهَا فِي الآخِرَةِ وَإِنَّمَا الْخَوْفُ فِي الآخِرَةِ عَلَى مَنْ هِيَ قِبَلَهُ فَبَانَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الأَوْلَى مِمَّا اخْتَلَفَ فِيهِ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ مَا رَوَاهُ عَلَيْهِ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ لاَ مَا رَوَاهُ عَلَيْهِ مَالِكٌ‏,‏ ثُمَّ رَجَعْنَا إلَى مَا فِي حَدِيثِهِمَا جَمِيعًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ حِينَ لاَ يَكُونُ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ وَإِلَّا أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَتْ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَنَا‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ رَاجِعًا عَلَى الْمَظْلِمَةِ فِي الْمَالِ لاَ عَلَى الْمَظْلِمَةِ فِي الْعِرْضِ‏;‏ لأَنَّ الْمَظْلِمَةَ فِي الْمَالِ تُوجِبُ مَالاً‏,‏ وَهُوَ الدَّنَانِيرُ وَالدَّرَاهِمُ فَإِذَا كَانَ غَيْرَ مَقْدُورٍ عَلَيْهِمَا عَادَ صَاحِبُ الْمَظْلِمَةِ فِي حَقِّهِ بِمَظْلِمَتِهِ إلَى حَسَنَاتِ ظَالِمِهِ وَأُخِذَ مِنْهَا بِقَدْرِ مَظْلِمَتِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ فَأُلْقِيَ عَلَى ظَالِمِهِ بِمِقْدَارِ مَظْلِمَتِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَظْلِمَةُ فِي الْعِرْضِ‏;‏ لأَنَّ الْوَاجِبَ بِهَا هُوَ الْعُقُوبَةُ فِي بَدَنِ الظَّالِمِ بِجَلْدِهِ عَلَيْهَا‏,‏ وَذَلِكَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ فِي الآخِرَةِ مِنْ بَدَنِهِ كَمَا كَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مِنْهُ فِي الدُّنْيَا وَمِمَّا يُقَوِّي مَا قُلْنَاهُ فِي ذَلِكَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي ابْنَ عَائِشَةَ ثنا ابْنُ الْمُبَارَكِ ثنا فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُعَيْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ عليه السلام نَبِيُّ التَّوْبَةِ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِزِنًا بَرِيئًا مِمَّا قَالَهُ لَهُ أَقَامَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَدًّا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ شَقِيقٍ ثنا عَبْدُ اللهِ يَعْنِي ابْنَ الْمُبَارَكِ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ الْبَجَلِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ نَبِيُّ التَّوْبَةِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ بِزِنًا بَرِيئًا مِمَّا قَالَ أَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ الْفُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ وَلَمْ يَقُلْ بِزِنًا‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد ثنا مُسَدَّدٌ ثنا يَحْيَى‏,‏ وَهُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكًا‏,‏ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَقَدْ كَانَ الْعَبْدُ فِي الدُّنْيَا عَاجِزًا أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ مِنْ مَوْلاَهُ وَمِمَّنْ سِوَاهُ بِالرِّقِّ الَّذِي فِيهِ وَلَمَّا أَزَالَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فِي الآخِرَةِ وَرَدَّهُ إلَى أَحْكَامِ مَنْ سِوَاهُ مِنْ بَنِي آدَمَ الْمُسْتَحِقِّينَ لِلْحُدُودِ عَلَى قَاذِفِيهِمْ ذَهَبَ الْمَعْنَى الَّذِي كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ أَخْذِهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا فَأَخَذَهُ لَهُ فِي الآخِرَةِ كَمَا كَانَ يَأْخُذُهُ فِي الدُّنْيَا لَوْ انْطَلَقَ لَهُ الأَخْذُ بِهِ فِيهَا فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ جَاءَ الْخِطَابُ فِي حَدِيثِ التَّحْلِيلِ مِنْ الْغِيبَةِ الَّذِي رَوَيْتُهُ بِالْمَظْلِمَةِ فِي الْعِرْضِ وَالْمَالِ جَمِيعًا فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَرْجِعَ بِشَيْءٍ مِنْ الْكَلاَمِ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ عَلَى بَعْضِ مَا اُبْتُدِئَ بِهِ دُونَ بَقِيَّتِهِ قِيلَ لَهُ الْعَرَبُ تَفْعَلُ هَذَا كَثِيرًا تُخَاطِبُ بِالشَّيْءِ بِعَقِبِ ذِكْرِ شَيْئَيْنِ تُرِيدُ بِخِطَابِهَا أَحَدَ ذَيْنِك الشَّيْئَيْنِ جَمِيعًا وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ‏}‏ ثُمَّ قَالَ ‏{‏يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ‏}‏ وَإِنَّمَا يَخْرُجَانِ مِنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الآخَرِ وَمِنْ ذَلِكَ قوله تعالى ‏{‏يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ‏}‏ وَالرُّسُلُ إنَّمَا كَانُوا مِنْ الإِنْسِ لاَ مِنْ الْجِنِّ‏.‏

وَمِنْ ذَلِكَ مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام مِمَّا قَدْ حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ ثنا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي إدْرِيسَ عَنْ عُبَادَةَ قَالَ كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ عليه السلام فِي مَجْلِسٍ فَقَالَ تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ لاَ تُشْرِكُوا بِاَللَّهِ شَيْئًا الآيَةَ فَمَنْ أَوْفَى مِنْكُمْ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَمَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَعُوقِبَ عَلَيْهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَسَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَأَمْرُهُ إلَى اللهِ إنْ شَاءَ عَذَّبَهُ‏,‏ وَإِنْ شَاءَ رَحِمَهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَعُوقِبَ عَلَى شِرْكِهِ لَمْ تَكُنْ تِلْكَ الْعُقُوبَةُ كَفَّارَةً لَهُ‏;‏ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ ‏{‏إنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ‏}‏‏,‏ وَأَنَّهُ إنْ لَمْ يُعَاقَبْ وَسُتِرَ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُ فَكَانَ قَوْلُهُ عليه السلام فَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إنَّمَا هُوَ عَلَى بَعْضِ تِلْكَ الأَشْيَاءِ لاَ عَلَى كُلِّهَا‏,‏ فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِي تَحْوِيلِ بَعْضِ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ إلَى الْمَظْلُومِ وَفِي تَحْوِيلِ بَعْضِ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ إلَى الظَّالِمِ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الظُّلْمِ فِي الأَعْرَاضِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الظُّلْمِ فِي الأَمْوَالِ لاَ الظُّلْمِ فِي الأَعْرَاضِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ مُتَعَمِّدًا هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُغْفَرَ لَهُ أَمْ لاَ‏؟‏

حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَعْنِي ابْنَ هُرْمُزٍ الأَعْرَجَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُ نَفْسَهُ فِي النَّارِ وَاَلَّذِي يَقْتَحِمُ نَفْسَهُ يَقْتَحِمُ نَفْسَهُ فِي النَّارِ وَاَلَّذِي يَطْعَنُ نَفْسَهُ يَطْعَنُ نَفْسَهُ فِي النَّارِ‏.‏

حَدَّثَنَا فَهْدٌ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي ثنا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ فِي يَدِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَوَجَّأُ بِهَا فِي بَطْنِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا‏,‏ وَمَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهُوَ يَتَرَدَّى فِي جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا‏,‏ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِسُمٍّ فَسُمُّهُ فِي يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْقَوَّاسُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي فَافَاهُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَافَاهُ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَأَهْلِ الْقُرْآنِ وَاسْمُهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ زِيَادٍ فَقَالَ قَائِلٌ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثٌ يُخَالِفُ هَذَا‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد وَمُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى بْنِ جَنَّادٍ الْبَغْدَادِيُّ أَبُو بَكْرٍ قَالُوا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَافِّ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ أَنَّ الطُّفَيْلَ بْنَ عَمْرٍو الدَّوْسِيَّ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ لَك فِي حِصْنٍ حَصِينٍ وَمَعَهُ حِصْنٌ كَانَ لِدَوْسٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَبَى ذَلِكَ النَّبِيُّ عليه السلام لِلَّذِي ذُخِرَ لِلأَنْصَارِ فَلَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إلَيْهِ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ فَاجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَمَرِضَ فَجَزِعَ فَأَخَذَ مَشَاقِصَ لَهُ فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ فَشَخَبَتْ يَدَاهُ حَتَّى مَاتَ فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ فِي هَيْئَةٍ حَسَنَةٍ وَرَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ فَقَالَ لَهُ‏:‏ مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّك فَقَالَ غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إلَى نَبِيِّهِ عليه السلام قَالَ مَا لِي أَرَاك مُغَطِّيًا يَدَيْك فَقَالَ‏:‏ قِيلَ لِي لَنْ نُصْلِحَ مِنْك مَا أَفْسَدْت فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ‏.‏

فَكَانَ مِنْ جَوَابِنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ سُبْحَانَهُ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَعَلَ بِنَفْسِهِ مَا فَعَلَ مِمَّا ذَكَرَ فِيهِ عَلَى أَنَّهُ عِنْدَهُ عِلاَجٌ تَبْقَى بِهِ بَقِيَّةُ يَدَيْهِ فَفَعَلَ مَا فَعَلَ لِتَسْلَمَ لَهُ نَفْسُهُ وَتَبْقَى لَهُ بَقِيَّةُ يَدَيْهِ فَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ مَذْمُومًا وَكَانَ كَرَجُلٍ أَصَابَهُ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَخَافَ إنْ لَمْ يَقْطَعْهَا أَنْ يَذْهَبَ بِهَا سَائِرُ بَدَنِهِ وَيُتْلِفَ بِهَا نَفْسَهُ فَهُوَ فِي سَعَةٍ مِنْ قَطْعِهَا فَإِنْ لَمْ يَقْطَعْهَا‏,‏ وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ بِذَلِكَ يَسْلَمُ لَهُ بِذَلِكَ بَقِيَّةُ بَدَنِهِ وَيَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ‏,‏ ثُمَّ مَاتَ مِنْهَا أَنَّهُ غَيْرُ مَلُومٍ فِي ذَلِكَ وَلاَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ هَذَا الرَّجُلُ فِيمَا فَعَلَ بِبَرَاجِمِهِ حَتَّى كَانَ مِنْ فِعْلِهِ تَلَفُ نَفْسِهِ‏,‏ وَهُوَ خِلاَفُ مَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ طَاعِنًا لَهَا أَوْ مُتَرَدِّيًا مِنْ مَكَان إلَى مَكَان لِيُتْلِفَ نَفْسَهُ أَوْ مُتَحَسِّيًا لِسُمٍّ لِيَقْتُلَ بِهِ نَفْسَهُ فَلَمْ يَبِنْ بِحَمْدِ اللهِ فِيمَا رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَضَادٌّ وَلاَ اخْتِلاَفٌ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَعَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِيَدَيْ هَذَا الرَّجُلِ بِالْغُفْرَانِ وَدُعَاؤُهُ لِيَدَيْهِ بِذَلِكَ دُعَاءٌ لَهُ‏,‏ وَذَلِكَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَنْ جِنَايَةٍ كَانَتْ مِنْهُ عَلَى يَدَيْهِ اسْتَحَقَّ بِهَا الْعُقُوبَةَ فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغُفْرَانِ لِيَدَيْهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ غُفْرَانًا لَهُ قِيلَ لَهُ مَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَا ذَكَرْت‏;‏ لأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ الدُّعَاءِ لِيَدَيْ ذَلِكَ الرَّجُلِ كَانَ لِإِشْفَاقِهِ عَلَيْهِ وَلِعَمَلِ الْخَوْفِ مِنْ اللهِ كَانَ فِي قَلْبِهِ فَدَعَا لَهُ بِذَلِكَ لِهَذَا الْمَعْنَى لاَ لِمَا سِوَاهُ كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنْهُ مِمَّا عَلَّمَهُ حُصَيْنًا الْخُزَاعِيُّ أَبَا عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بِهِ‏.‏

كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ أَنْبَأَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ قَالَ حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ حِرَاشٍ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَّمَ أَبَاهُ حُصَيْنًا بَعْدَمَا أَسْلَمَ فَقَالَ‏:‏ قُلْ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي مَا أَسْرَرْت وَمَا أَعْلَنْت وَمَا أَخْطَأْت وَمَا عَمَدْت وَمَا جَهِلْت وَمَا عَلِمْت فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَعْلِيمُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حُصَيْنًا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ أَنْ يَغْفِرَ لَهُ مَا أَخْطَأَ يَعْنِي الْخَطَأَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْعَمْدِ‏,‏ وَذَلِكَ مِمَّا هُوَ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ وَلاَ مُعَذَّبٍ عَلَيْهِ‏;‏ لأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ فَكَانَ الْخَطَأُ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ تَعَمُّدُ الْقُلُوبِ مَعْفُوًّا عَنْهُ غَيْرَ مَأْخُوذٍ بِهِ صَاحِبُهُ وَكَانَ أَمْرُ النَّبِيِّ عليه السلام حُصَيْنًا أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ بِغُفْرَانِهِ إيَّاهُ لَهُ عَلَى الرَّهْبَةِ مِنْ اللهِ وَالتَّعْظِيمِ لَهُ وَالْخَوْفِ مِمَّا عَسَى أَنْ يَكُونَ يُخَالِطُ قَلْبَ الْمُخْطِئِ فِي حَالِ خَطَئِهِ مِنْ مَيْلٍ إلَى مَا أَخْطَأَ بِهِ‏,‏ وَكَذَلِكَ مَا فِي حَدِيثِ جَابِرٍ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِالْغُفْرَانِ لِلرَّجُلِ الْمَذْكُورِ فِيهِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِمِثْلِ هَذَا أَيْضًا وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏